الجمعة، 1 يناير 2010

الطريق للقمة

إن الطاقات الخمس لابد أن تسير في طريق واحد وهذه الطاقات الخمس هي ما تدفع الإنسان للطريق نحو القمة وأول الطريق للقمة يجب أن يكون في العودة إلى الجذور إلى مرحلة البراءة.
أولاً: مرحلة الجذور: وتنقسم بدورها إلى مرحلتين: البراءة – التطبع
1- مرحلة البراءة:
لقد خلق الله الإنسان في ظلمات ثلاث هي ظلمة الرحم ثم ظلمة المشيمة ثم ظلمة البطن، ثم يولد الطفل فيخرج من الظلمات إلى النور..
ولكن رغم خروج الإنسان للنور إلا أنه وصل لظلمات الجهل.. وهذا ما ذكره الله تعالى في سورة الحديد. قال تعالى: « هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم » ، إذن الإنسان في مرحلة البراءة ليس لديه أي فكرة عن أي شيء لذا يجب أن ننظر في جذور تلك المرحلة وسنلاحظ أن الأب والأم يحاولان أن يعلمان صغيرهما النطق بكلمة ماما أو بابا فقط لكي يقولا أن أول كلمة نطقت هي ماما أو بابا ليس إلا فيستجيب الطفل لهما ويبدأ بمرحلة الإدراك.. وفيها يدرك الطفل أباه وأمه، وتبدأ لديه مرحلة ظلمات الإدراك وهو أن يشير هذا الطفل إلى أي سيدة ويقول ماما أو إلى رجل فيطلق عليه بابا، ثم يخرج من تلك المرحلة ليصل إلى مرحلة نور الإدراك وهذا الإدراك يعطيه معنى للأسماء ، قال تعالى: « وعلم آدم الأسماء كلها » فلولا وجود الأسماء لما كان للإدراك معنى، وهذا المعنى سيكون بدوره لغة أياً كانت هذه اللغة فهي ستحتوي على قيمة مبنية على اعتقاد بداخله مبدأ يتضمن وجهة نظر تجاه الأشياء وهذا هو ما يعرف بالمفهوم الذاتي.
وهنا يبدأ الطفل بفهم الكلمات مثل قول أحد له: « أنت ولد مؤدب .. أنت طفل سيئ » فهو يفهم معناها.. إذن أصبح إدراكه له معنى.
2- مرحلة التطبع:
تتكون في مرحلة الجذور في أو سبع سنوات من حياة الطفل تتكون لديه 90 ٪ من قيمه و 95 ٪ من قيمه العاطفية فيستطيع الطفل أن يفهم معنى الحب والحنان ويعلم جيداً من يحبه ومن يبادله هذا الحب، فهو تعلم في هذه المرحلة معنى العاطفة وهذه الفترة من مرحلة الجذور تسمى « سن التمثيل » حيث يقلد الأطفال أمهاتهم وآباءهم في كل شيء.. في طريقة كلامهم وفي نبرة صوتهم وفي تعبيرات وجههم وفي طريقة تنفسهم وفي كل شيء حتى في المعنى الذي يفهمونه منهم.
في مرحلة البراءة تكون قد تكونت الجذور التي بها القيم والاعتقادات والمبادئ، ولكن الطفل في هذه المرحلة ليست لديه القدرة على تقييم الأمور فهو لا يعلم ما يناسبه ولا يستطيع أن يتخذ قراراً في أمر ما لذا فإنه يلجأ إلى التطبع والتقليد فتظهر مرحلة التطبع.
ثانياً: مرحلة الوجود: فيها يحاول الطفل أن يثبت وجوده ويحدد طريقة كلامه، ففي مرحلة الجذور هناك من يتحكم في الطفل وهذا بالتالي سيكون مستمداً من مرحلة الجذور فهو يثبت وجوده بجذوره فإذا كان الطفل ممن تخاف عليه أمه بشكل غير طبيعي ولا تُحَمِّل ابنها أي مسؤولية فسينشأ هذا الطفل منتمياً فقط لأمه فإذا بعد هذا الطفل عن أمه ستجده يبكي فهو لا يستطيع أن يفارق أمه ولا يستطيع أن يتعامل مع العالم الخارجي فهو يتعامل مع أمه فقط وهذا خطأ في التربية والصحيح أن يتعود الطفل على التعامل مع العالم الخارجي.
أما الطفل الذي يخرج إلى العالم الخارجي ليثبت وجوده فهو يثبت هذا الوجود بالمعلومات والبرمجة السابقة له وبمعنى الإدراك واللغة التي تعلمها بالإضافة إلى القيم والاعتقادات والمبادئ التي لديه، لكن هذا الطفل يتصور أن العالم الخارجي مثله تماماً فهو لا يعلم أنه ربما يصطدم بإدراك شخص آخر وإنما هو يعتقد أن إدراكه هو الإدراك الوحيد الصحيح فيبدأ بالمشاجرات في المدرسة مع غيره من التلاميذ وهذا كله لأنه لم يتعلم أن يتقبل وجهة نظر الآخر فهو في هذه المرحلة مرحلة الوجود يدافع عن رأيه، فهو يريد أن يتحكم في الناس.
ثالثاً: مرحلة الكبرياء: وفيها تتولد الذات فنجد الشخص يقول أنا رجل .. أنا ناجح.. أنا والدي كذا.. أنا.. فيهتم باسم العائلة والتفاخر بين الناس بنفسه وبملابسه وبأي شيء يخصه فيحاول أن يلفت النظر لساعته مثلاً أو حزامه..
وفي هذه المرحلة يهتم الإنسان بشكله وذلك للتقبل الاجتماعي فقط فتجد الفتاة تأكل ثم تضع إصبعها في فمها لتخرج ما أكلت حتى تحافظ على قوامها لتكون كالفنانة الفلانية. وفي هذه المرحلة تتولد الـ « أنا » فيقول أنا أفضل .. أنا أحسن .. أنا أجمل.. أنا.. وعندما تقوى الأنا تتكون الذات السفلى التي ترتبط بالمادة. وهناك أربعة أشياء أساسية ترتبط بالإنسان هي : المكان والزمان والطاقة والمادة.
فالمادة مرتبطة بالعالم المادي، فالشخص يريد أن يرضي العالم الخارجي عن طريق التقبل الاجتماعي فيفعل كل ما يستطيع عمله ليصبح شكله اجتماعياً أفضل.
مَوْلِد الـمُنجِز:
تدريجياً يولد عند هذا الشخص ما يُعرف بالمنجِز فهو ينجز وينجز لكن في الأمور المتعلقة بالمادة فإنه يريد أن يجمع المال ويريد أن يصبح لديه رصيد كبير في البنك ويريد أن يتزوج .. أن تكون لديه شقة.. كلها إنجازات مادية ، ويجتهد في تحقيقها حتى ينجزها.. ولكن إنجاز هذا الشخص الوحيد هو عمله فإذا تحدثت معه في مجال عمله وجدته يتحدث جيداً أما إذا تكلمت معه في أي مجال آخر تجده لا يفقه شيئاً في أي شيء، فهو لا يهتم بصحته أو زوجته أو أولاده أو راحته أو أي شيء.. كل ما يهمه هو عمله وتحصيل المال، وهذا الشخص يعرف بالمنجز المادي فهو بالطبع ليس منجزاً روحانياً. أما إذا كان الإنسان متزناً في جذوره أي أنه تربى بطريقة روحانية في مرحلة الجذور فسيثبت وجوده في مرحلة الوجود بطريقة روحانية وسيولد لديه منجز روحاني.
والمنجز المادي سيصل حتماً في وقت ما إلى مرحلة التعب حيث يتعب من كل الأمور الدنيوية والمادية فتصبح كل تلك الأشياء لا تهمه فيبحث عن إنجاز من نوع آخر فيبدأ بالبحث عن السعادة فيولد لديه الباحث.
مَولِد الباحث:
الباحث يولد في أواخر المنجز، والباحث هو الذي يبحث عن الحقيقة وعن الحب فهو يبحث عن الراحة الداخلية فتجد الشخص الذي يمر بمرحلة الباحث قليل الكلام ويحب الانفراد بنفسه فهو يبحث عن الذات وعن السلام الداخلي والهدوء النفسي، فتبدأ عنده مرحلة التأمل وفيها يفكر الشخص في حاله وكيف كانت حياته ويتأمل فيجد نفسه قد جمع الكثير من المال لكنه غير سعيد فيحاول أن يساعد الآخرين ويسامحهم وينشأ لديه الإحساس بالآخرين. فيبدأ الإنسان يعيد النظر في ماضيه ويشعر بالندم لعمره الذي ضاع منه في إنجاز الأمور الدنيوية.
وهناك قصة رجل يقول عندما كنت صغيراً كنت أتمنى أن أموت في سبيل دخولي الابتدائية فدخلت الابتدائية فتمنيت أن أموت في سبيل دخولي الإعدادية فدخلتها وحصلت عليها فتمنيت أن أموت في سبيل حصولي على الثانوية، فحصلت عليها، فتمنيت أن أموت في سبيل حصولي على الكلية، فالتحقت بالكلية، فتمنيت أن أموت في سبيل أن أتزوج، فتزوجت وأنجبت الأولاد، فتمنيت أن أموت في سبيل رؤيتي لأولادي وهم يتزوجون، فزوج أبناءه، فنسمع هذا الرجل يقول لأبنائه وهو على فراش الموت بعد أن تجاوز الستين عاماً: « لقد نسيت أن أعيش في سعادة فكنت أموت في كل لحظة في حياتي ».
فتجد الإنسان يريد أن ينجز فيجري هنا وهناك ويتعب نفسه ولا يفكر إلا في العمل وفي الديون التي عليه وكيف سيسددها، ومن هنا يبدأ باستمرار في التفكير بأنه يريد أكثر وأكثر فيصل إلى عدم الرضا. وعندما يلوم الإنسان ذاته فإنه ينتقل إلى العاطفة فيبدأ يشعر بالسلام الداخلي فيبحث عن الناس ويسأل عنهم فهو يريد أن ُيحِبْ ويُحَبْ ، وهنا يأتي الجزاء من جنس العمل فإذا كان هذا الشخص قد ربَّى أبناءه على الرجوع إليه وعوَّدهم منذ الصغر على حب الجلوس معه سيكونون كذلك عندما يكبرون، أما إذا كان هذا شخصاً لا يجالس أبناءه وإنما يساعدهم على البعد عنه فيكونون جميعاً في البيت ولكن كل شخص يعيش في غرفته وحيداً.. فهو دائماً مشغول بعمله ولا يعطي لأبنائه الوقت الذي يحتاجون فيه إليه.. فسيكبر هؤلاء الأبناء وهم لا يريدون الالتفاف حول والديهم لذا سيكون الحصاد من نفس ما زرع بل وأكبر.. فعندما نضع في الأرض بذرة مانجو فهي بذرة واحدة لكنها ستثمر عن شجرة ممتلئة بالمانجو لكن في النهاية الحصاد سيكون من نفس نوع البذرة التي زرعت في البداية فإذا لم تحضن أبناءك وهم أطفال فلن تأخذه منهم وأنت في كبرك.
فإذا وصل الإنسان للباحث فهو يبحث عن الحب وعن الراحة ويبحث عن الحقيقة التي ستؤدي إلى الله سبحانه وتعالى وستصل إلى العاطفة التي تمد الإنسان بالتعبير عن العناية الإلهية، فتجد الشخص الذي وصل لتلك المرحلة يتكلم أكثر عن الله فيصبح شخصاً محباً لله فتنشأ الطاقة الروحانية ويزيد ارتباطه بالله وتصبح سعادة هذا الشخص الحقيقية في العطاء وليس الأخذ فالعطاء فيه استقبال من الله عز وجل ، فهذا الشخص أدرك أنه عندما يعطي فهو آخذ من الله مقابل هذا العطاء فهو بمثابة قناة وصل يأخذ من الله ويعطي غيره فهو يعلم أنه لو أمسك على غيره لما أعطاه الله فكلما أعطى أكثر كلما استقبل أكثر فيصل لقانون العطاء..
فهذا الشخص يعطي ولا ينتظر أن يأخذ من أحد، فهو يعطي فقط لوجه الله وهذا العطاء يمنح صاحبه السعادة. أذكر أنني خسرت كل مالي يوماً ولم يكن معي إلا 1000 دولار فذهبت إلى مسجد لأصلي.. وبعد الصلاة قال إمام المسجد إن المسجد يحتاج إلى 1000 دولار لعمل إذاعة فيه فأعطيته كل ما كان في جيـبي وخرجت قائلاً لنفسي: فوضت أمري إليك يا رب، ثم عدت إلى منزلي فتلقيت اتصالاً من رجل يطلب مني العمل معه ويسألني كم تريد كراتب شهري؟ فضربت الرقم الذي أنفقته في 10 أي عشرة آلاف دولار شهرياً، فوافق الرجل، وكتب معي عقداً لمدة ثلاث سنوات.
قميص السعادة:
أذكر قصة ملك كان يعيش في تعاسة شديدة فعلم أن هناك رجلاً يعيش فوق الجبل لديه قميص إذا ارتداه أصبح سعيداً لأن من ارتدى ملابس السعيد سعد.. فذهب الملك للرجل وطلب منه قميصه في مقابل أي شيء يطلبه الرجل فنظر الرجل إليه بهدوء ثم أعطاه قميصه وقال له: أنا لا أريد شيئاً منك فقط خذ ما أردت، فاستغرب الملك وأخذ القميص.. وبعد أسبوع ازداد الملك تعاسة وازداد الرجل سعادة فذهب الملك للرجل وقال له: لقد أخذت منك قميص السعادة إلا أنني ما زلت تعيساً وأنت مازلت سعيداً، فما السبب؟
قال له الرجل: لقد جئت إليّ بالفكرة الخطأ فأنا لم أكن سعيداً بقميصي وإنما أنا سعيد لأنني أرضى بحالي وأنت جئت لتأخذ لكن السعادة في العطاء وليست في الأخذ، فأنت أخذت فتعست وأنا أعطيت فسعدت. وهناك بعض الأشخاص الذين يحملون الكثير والكثير من الضيق لغيرهم وذلك بسبب خلاف نشأ بينهم، فيبدأ الإنسان بالتفكير السلبي تجاه من يضايقه وهذا خطأ والصحيح أن يتمنى له الخير، فالأسهل والأفضل أن يسامح وسيعطيه الله- سبحانه وتعالى – الثواب..
فنحن ليس لدينا الوقت في هذه الدنيا للحزن والضيق والغضب من شخص معين أو موقف محدد.. واعلم أنها حياة واحدة ليس لها (بروفة) وإنما هي حياة حقيقية ليس لها إعادة ، فإذا ما انتهت لم تعد، فيجب أن تستخدم كل لحظة في حياتك وكأنها آخر لحظة من حياتك، فأنت لن تخرج أبداً من هذه الحياة وأنت حي.
واعلم أن من لا يَغفِر لا يُغفَر له، وفي المسيحية: « إن لم تسامح لن تقبل صلاتك ». وللمتنبي شعر رائع في التسامح وهو:
إن أنت لم تغفر للمسكين إذا عدم ولا الفقير إذ يشكو لك العدم
فكيف ترجـو من الرحمن رحمـته إنمـا يرحـم الرحمن من رحم
ويقول الرسول الكريم: « اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لأخراك كأنك تموت غداً ».. وهذا الحديث فيه فلسفة عميقة استغرقت مني سنوات عدة وأنا أبحث فيها « اعمل لدنياك » بمعنى الاتصال، « واعمل لأخراك » بمعنى الانفصال .. فكيف يحدث الانفصال والاتصال في نفس الوقت؟
وهنا أذكر قصة سيدة كانت تريد ممارسة الرياضة في إحدى صالات الرياضة لكنها كانت تضعف أمام قطعة من الحلويات فكانت تنسى الرياضة وتذهب لتأكل البسبوسة وغيرها من الحلويات فسألتني: ماذا تفعل؟ فقلت لها: سبحي الله.. قولي سبحان الله.. سبحان الله وفعلاً لما سبّحت تركها الشيطان تمارس الرياضة حتى تتوقف عن التسبيح.
وبعد الذكر سيحب الإنسان الله أكثر قال الله تعالى: « واسجد واقترب ». وهنا سيصبح هذا الشخص يتحدث مع الله ويتحدث عن الله وهنا يكون الإنسان قد وصل إلى الطريق للقمة وهو الوصول لله سبحانه وتعالى. نحن نقول في صلاتنا « اهدنا الصراط المستقيم » فالصراط المستقيم فسره بعض العلماء على أنه هو الطريق إلى الجنة لكنني أرى أن الصراط المستقيم هو الطريق المؤدي إلى الله ، والله هو المؤدي إلى الجنة ، فلا يستطيع أحد أن يذهب للجنة بمفرده بل يجب أن يصل من خلال الله.
كلمة أخيرة:
على الإنسان أن يأخذ من الآخرة ليجعل الدنيا ثرية بهذا الثراء الروحاني، وعليه أن يأخذ من الدنيا ليـبني آخرته وهذا هو البقاء الروحاني وهذه هي فلسفة الحياة الفلسفة الدينية أو الفلسفة الروحانية.
وبعد مرحلة الارتباط بالله يجب أن يواظب الإنسان على ذكر الله باستمرار وعليه أيضاً أن يكون لديه عرفان فيحمد الله كثيراً ويشكره على كل ما أعطاه الله له من نعم.

الطاقة البشرية


بسم الله الرحمن الرحيم




 مقدمة
لقد أسست منذ سنوات علماً هاماً ألا وهو علم قوة الطاقة البشرية والذي صار له ماركة مسجلة وصار معترفاً به على مدار العالم كله ، والذي يلبي رغبة أساسية لدى الإنسان تتمثل في سعيه الدائم أن يرتقي بنفسه وأن يتحول باستمرار إلى ما هو أفضل.
وهذا السعي تقف أمامه الكثير من المعوّقات ، ولعل من أهمها الإلحاح الداخلي لديه في أن يرتبط بكل ما هو ثابت وتقليدي في حياته.
وحول صناعة المستقبل وأنواع الطاقات ومعالم الطريق نحو القمة تدور صفحات هذا الكتاب.

الماضي صانع المستقبل
يحكى أن شاباً ذهب إلى حكيم صيني ، وطلب منه أن يمنحه طاقة إيجابية تعينه على تنفيذ ما يتمناه ، فأحضر الحكيم ثلاث زجاجات..
وملأ إحداها بالماء النقي وترك الثانية فارغة وملأ الثالثة بماء عكر..
ثم طلب الحكيم من الشاب أن يتمكن من شرب الماء النقي من خلال الزجاجة التي تحتوي على الماء العكر ، فما كان من الشاب إلا أنه أفرغ الزجاجة الثالثة مما كان فيها من ماء عكر ثم حاول تنظيفها من خلال الماء النقي الموجود بالزجاجة الأولى ، وما تبقى من ماء نظيف قام الشاب بوضعه في الزجاجة الثالثة وشربه ، ثم توجه الشاب إلى الحكيم بالسؤال عن مغزى هذا الأمر..
فما كان من الحكيم إلا أن أخبره بأن الزجاجة الأولى المملوءة بالماء النقي هي ما يعبر عن آماله وطموحاته وما يسعى إلى تحقيقه في المستقبل..
أما الزجاجة المملوءة بالماء العكر فهي ما يعبر عما بداخل هذا الشاب من تجارب وخبرات وبرمجة سابقة ، وأن عليه أن يعيد النظر في تلك التجارب والبرمجة السابقة كي يعيد برمجتها بالشكل الصحيح وإلا فلن يستطيع تحقيق ما يتمناه.
إننا نجد كل إنسان مبرمجاً بطريقة معينة منذ الصغر ويكبر على هذه الطريقة، ويتصرف ويتكلم بناءً على هذه الطريقة ويأخذ القرارات من خلال هذه البرمجة.
والسؤال الآن: كيف نغيّـــر هذه البرمجة ؟
هذه البرمجة تتم في المخ في مكان معين وتحدث بالحواس الخمسة فإذا حدث أي تغير في هذه الحواس ، فالمخ لن يعرفها.
تلك البرمجة التي يكتسبها الفرد من الأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام والمحيط الاجتماعي ككل، فضلاً عما يضيفه هو إلى ذلك.
إن الله – عز وجل – قد خلق العقل للإنسان ليكون خادمه لا مديره، فإن جعلته مديرك، فسوف يدير لك فقط الملفات العقلية التي تمت برمجتها في الماضي..
تلك الملفات التي أشار باحثو جامعتي سان فرانسيسكو وهارفارد إلى أن 90 ٪ منها ذو أثر سلبي؛ لأن الفرد يكتسبها من المحيط الاجتماعي دون أي إدراك أو تحكم منه، وبالتالي قد تكون غير مناسبة للفرد وطبيعة معيشته في الحياة.
وأذكر هنا قصة امرأة كانت تخاف من الصراصير فقلت لها: لم تخافين منها؟ فقالت: لأن الصرصور بني وهو لون سيء، وبالمصادفة كانت تلبس اللون البني ، فقلت لها : لم تلبسين مثله إذن؟
فقالت السيدة: لأن اسمه كريه، فسألتها عن اسم شخص تحبه فقالت : خالد، فقلت لها: إذن سنسمي الصرصور بهذا الاسم، فكانت إذا ما رأت الصرصور ضحكت.
فالإنسان في منتهى القوة لكن التركيبة هي التي تكون غير صحيحة، فلا نجد طفلاً يولد محبطاً..
وخلاصة القول أن البرمجة السابقة قابلة للتغيير.
إن الإنسان إذا غيّــر تركيبة أفكار تسبّـبت في أحاسيس سلبية إلى أفكار ينتج عنها أحاسيس إيجابية تتغير التجربة، وعندما يعود إليها المخ مرة أخرى يجد أنها قد تحولت إلى مهارة... تحولت إلى قدرات.
إننا لو بحثنا عبر صفحات الإنترنت عن المؤلفات التي تتحدث عن الأهداف وترتيبها في حياة الإنسان لوجدنا أمامنا كمَّاً هائلاً من المؤلفات التي قد يزيد عددها عن خمسين ألف مؤلف إلا أنها جميعاً تتحدث عما يجب على الإنسان أن يفعله في مستقبله غافلة التجارب الماضية وقيمتها في صنع المستقبل.
لقد اعتاد كثير من الناس أن يعيشوا إما داخل الماضي منقطعين عن الحاضر والمستقبل، وإما أن يحلّقوا في آفاق المستقبل الواسعة دون ربط بين الماضي والحاضر والمستقبل..
فليس معنى أن شخصاً ما قد فشل في تجربة سابقة له أنه سيكرر هذا الفشل مرة أخرى إذا مر بنفس التجربة، بل على هذا الشخص أن ينظر إلى الأسباب التي أدت إلى حدوث هذا الفشل، ويحاول أن يتجنب تلك الأسباب في مستقبله فيكون ماضيه هو المساعد له على تجنب الوقوع في الفشل.
والإنسان تنطبع بداخله الصورة التي يرسمها لنفسه.. فلو اعتقد إنسان أنه فاشل فإن هذا الشعور والإحساس سيتملكه ويتسع وينتشر لديه حتى يسيطر تماماً عليه فيفشل بالفعل، وهو ما يُعرف باسم التعميم السلبي .
إن التعميم السلبي هو التركيز على شيء معين صغير ثم تعميم هذا الشيء، فمثلاً الشخص المتضايق من شيء يقول البلد كلها سيئة، فإذا عمَّم الإنسان أمراً فلن يستطيع أن يتخذ قراراً فالشخص الذي يقول أنا مضطرب نفسياً عمَّم الأمر وضخَّمه فتكون أحاسيسه مضخَّمة أيضاً..
لذا على الشخص أن يعرف ما الذي يؤرقه فعلاً ويبدأ بمعالجته فيخرج بذلك من التعميم إلى التخصيص.
وأخيراً أقول إنه ليس هناك فشل وإنما هناك خبرات وتجارب فأي شخص ناجح في حياته ستجد له الكثير من السقطات والزلات، فكلما ألقيت الكرة للأرض بقوة رجعت إليك بارتفاع أعلى وأسرع.
في الواقع ليس هناك فشل فالشخص الفاشل ناجح في فشله ، لأن العقل البشري يعينك بما تعطيه وتزوده من أفكار، فإذا أوحيت إليه بأنك فاشل فإنه ينمي لك تلك الفكرة ويمدك بكل التدعيم الذي يؤكد ذلك ويبعث في الجسم المشاعر والأحاسيس المصاحبة للفشل فهذا نجاح عقلي في الفشل.
ويجب ألا نعيد التفكير فيما مضى ليكون نفعاً لنا في مستقبلنا وألا نكون من الباكين على اللبن المسكوب، فإذا خسرت وظيفة ما فابحث عن غيرها..
وأذكر أنني طردت من عملي مرتين، وأذكر أيضاً أنني قدمت طلباً للعمل في أحد الفنادق ، فقال لي الرجل الذي قابلني هناك:« أنت لن تنفع في العمل في الفنادق أبداً »  فشكرته وعندما تركته قررت أنني سأنجح جداً في الفنادق، وقررت في نفسي أنني سأدعوه للعشاء بعد تحقيق ذلك النجاح ، وفعلاً عندما أصبحت مديراً عاماً في أكبر الفنادق دعوته للعشاء، وكان الرجل لا يتذكرني فذكّرته بمقابلتي له ورفضه لي، وقلت له: أنا أشكرك لأنك كنت سبباً في دفعي للنجاح.
واعلم أن رأي الآخرين فيك لا ولم ولن يدل عليك، وذلك لأن هذا الرأي يكون مبنيّاً على قيم ونظام وتفكير هؤلاء الآخرين، لا قيمك أنت .. ولا تفكيرك أنت .. ولا مفهومك أنت، فأنا وأنت والجميع معجزة من الله – سبحانه وتعالى – فكيف لشخص أن يحكم على شخص آخر ليحدد مصيره؟!
إذا أردت الوصول إلى القمة فعليك معرفة أنواع الطاقات وهي :
1-  الطاقة الحركية:
وهي الطاقة التي تميّز الإنسان عن الجماد والنبات حيث يتمكن الإنسان من الحركة بينما لا يستطيع الجماد والنبات القيام بالحركة..
والسؤال: من أين تأتي هذه الحركة أي ما هو مصدر الحركة بالنسبة للإنسان؟
وقد أجمع العلماء على أن الحركة هي التي تميز بين الحي والميت، وليس أمر هين أن يتمكن الإنسان من تحريك عضلة ما في جسمه، وإنما هو غاية الصعوبة حيث يجب على المخ أولاً أن يدرك تلك الحركة ثم يعطي المخ الأمر للعضلة بالقيام بتلك الحركة فتعود تلك الحركة للمخ مرة ثانية لتعرف الخطوة القادمة لها .. وكل هذا يحدث بسرعة كبيرة تفوق سرعة الضوء وليس للإنسان دخل فيها بمعنى أنه إذا أراد شخص المشي فإنه لا يقول لقدمه تحركي وإنما يجد نفسه يتحرك.
إذن الطاقة الحركية هبة من الله عز وجل للإنسان فهي طاقة أوتوماتيكية، وعندما تغذي الطاقة الحركية بالوقود فإنه سينتج عن ذلك الطاقة الجسمانية.
2-  الطاقة الجسمانية :
غذاء الطاقة الحركية هو الطعام والشراب والنوم، فعندما تأكل فأنت تحصل على الغذاء الذي ينتج عنه حركة الهضم. وأيضاً الشراب ينتج عنه إفراز العرق وإخراج البول وغيره من الطاقة الحركية الداخلية للجسم.
والنوم أيضاً يمكّن الإنسان من مواصلة تحركاته اليومية الطبيعية فلا يستطيع إنسان مواصلة الحركة دون النوم وإلا سيصاب بأزمة قلبية تكون سبباً في وفاته لهذا يجب الموازنة بين الطاقة الحركية والطاقة الجسمانية.
تنقسم الطاقة الجسمانية إلى:
الطعام: وهو مقدار الغذاء الذي يحتاج إليه الجسم لتمكينه من أداء مهامه، ويجب أن تكون بالقدر الذي يحتاجه الجسم ، وإلا كان الاختلال.
الشراب: وهو مقدار السوائل التي يحتاجها الجسم.
النوم: وهو الذي يمكّن الإنسان من مواصلة نشاطه.
التنفس: فالمخ يحصل على 33 ٪ من الأكسجين الداخل للرئتين. وعندما ينتظم تنفس شخص ما فإن هذا الشخص سيُعطى طاقة جيدة..
وهناك الآن أكثر من 12 ألف صنف من أصناف التنفس، هناك مثلاً تنفس يساعد على الاسترخاء.. وتنفس يمد الإنسان بالطاقة .. وتنفس ينظم الطاقة .. وتنفس ينظم نشاط المخ.
وقلنا إنه يجب الموازنة بين الوقود الداخل للجسم والطاقة الحركية لهذا الجسم، فإذا أعطيت الجسم وقوداً أكثر مما يحتاج إليه كزيادة الطعام فستجد الجسم يخزّن الطعام الزائد تحت الجلد وتظهر الأمراض على هذا الجسم.
وكذلك الحال بالنسبة للنوم والشراب.
لقد أشرنا إلى أن الطاقة الحركية هي التي تميز الإنسان عن الجمادات والنباتات ، ومعنى هذا أن الحيوان أيضاً لديه طاقة حركية، لكن هناك نوعاً آخر من الطاقة ميز الإنسان عن الحيوان وهي الطاقة الفكرية.
3-  الطاقة الفكرية :
إن الإنسان عندما يستيقظ من النوم ويدخل الحمام ليتوضأ ثم يستعد للصلاة فإنه لن يستطيع فعل أي من ذلك إلا بالطاقة الفكرية التي تعطي معنى للطاقة الحركية ، حيث يفكر الإنسان بالمنطق ثم يأخذ القرار فنجد الإنسان عندما يصلي فإنه يعلم جيداً كيف يصلي، وعندما يمشي أو يأكل فهو يعلم جيداً كيفية أداء تلك الأمور.
ولقد قال الشيخ الشعراوي رحمه الله في كتابه «خواطر» قال: إنه عندما تلتقي الحركة مع الرؤية تحدث السعادة.
فالحركة تمثل الطاقة الحركية، والرؤية تمثل الطاقة الفكرية والمزج بينهما يحقق كما ذكر الشيخ الشعراوي السعادة للإنسان.
فبالتقاء الفكر مع الحركة يولد معنى للطاقة الحركية.
إذن الفكرة تؤثر على الذهن ، فالمفكر عندما يفكر فإنه يضع الفكرة في ذهنه فتنتج عملية التفكير التي ينتج عنها التركيز ثم يتبع التركيز الانتباه الذي ينتج عنه الإحساس الذي يتبعه السلوك ثم النتائج التي تسبب الواقع الذي يسبب المصير الذي يتسع وينتشر من نفس نوعه.
وهنا نشعر بروعة قوله تعالى « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم » .
لأن الإنسان هو السبب في الفكرة ، وهو بذلك المحدد لمصيره .
فعلى الإنسان ألا يوقع نفسه فريسة للتركيز السلبي على فكرة معينة ، ولا يلوم غيره على عدم التغيير بل عليه أن يبدأ بنفسه.
إذن الطاقة الحركية تستمد وقودها من الطاقة الجسمانية ، والطاقة الجسمانية تحرق الوقود من الطاقة الحركية فهما طاقتان كل منهما تكمل الأخرى، ولكي تعطي معنى للحركة سينتج عن ذلك الطاقة الفكرية.
أساسيات الطاقة الفكرية:
أولاً: القدرة على الإدراك :
وهو الشيء الذي يفصل بين الإنسان والحيوان ، فالإنسان لديه القدرة على الإدراك والتفكير، وبما أن الإنسان لديه القدرة على الإدراك إذن فإن لديه القدرة على التغيير والإنسان فقط لديه القدرة على التغيير حيث تكون لديه الأهداف والأحلام والتخطيط والتقييم والتغيير، فالمخ هبة من الله للإنسان.
ولقد أشار الدكتور « هاربتس بنسر » منذ حوالي عشر سنوات إلى أن المخ به من 50 إلى 150 مليار خلية عقلية، أما الآن فقد أجمعت الأبحاث على أن المخ به 150 مليار خلية عقلية على الأقل وهذا يدلنا على أهمية الإنسان وإلى أن الله ميَّزه عن باقي المخلوقات بالمخ.
ثانياً: القدرة على التحليل:
المخ لديه القدرة على التحليل، فهو يستطيع أن يحلل المعلومات والمحتويات بسرعة فائقة.
ثالثاً: القدرة على المقارنة:
المقارنة بين المعلومات والمحتوى الموجود الآن والمعلومات الموجودة في مخازن ذاكرته.
رابعاً: القدرة على اتخاذ القرار:
حيث يستطيع المخ أن يتخذ القرارات، فهو يتخذ القرار للقيام أو الطعام أو الحركة أو النوم...الخ.
إذن الطاقة الفكرية تؤثر على الذهن وعلى الحواس وبالتالي هي تؤثر على الجسد كله لهذا فإن العقل والجسد يكمل كل منهما الآخر.
ولقد أشارت العلوم الحديثة إلى أن أكثر من 93 ٪ من المرضى يرجع مرضهم إلى العقل الذي يشار إليه بـ « السيكو » فهذا العقل يفكر فيتعب الجسد الذي يشار إليه بـ « سومو »..
فبمجرد تفكير الإنسان بفكرة ما فإنها تؤثر على أحاسيسه وعلى جسده..
ونلاحظ أن الإنسان إذا فكر مثلاً في المسمار عندما يحك بالزجاج فإن الجسم سيشعر بالقشعريرة رغم عدم وجود المسمار والزجاج، وإنما شعر الجسد بالقشعريرة بالتفكير فقط..
إذن الإنسان عندما يفكر بفكرة فإنه يغيِّر جسده وهذا ما أخبرنا به الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه عن الشخص الغضبان وفيه وضَّح الرسول الكريم أن الغضبان عليه أن يغيِّر من هيئته أو أن يتوضأ في محاولة منه لإطفاء نار غضبه.
والعلوم الحديثة تشير إلى أهمية تغيير الوضع والانفصال عن التجربة لوقت ثم الاتصال مرة أخرى بطريقة مختلفة ونجد مثلاً شخصين جالسين في مطعم يتحدثان في أمر ما ثم يأتي النادل فيقطع حديثهما..
وبعد مضيه ينسى الشخصان ما كان يتحدثان فيه والذي حدث لهما أن هذا الوقت المقتَطَع أثّـَر على تركيز كل منهما.
فيجب الموازنة بين الطاقة الحركية والطاقة الجسمانية التي تغذيها بالوقود وذلك لأن عدم التوازن سيخل بالطاقة. فالطاقة الحركية تحرك الجسم ، والطاقة الجسمانية تغذي الحركة، والطاقة الفكرية تغذي المعنى.
والمخ لديه عدة وظائف أولها الاستدلال ثم المعرفة ثم المهارة ثم الابتكار..
وربما تعددت المذاهب لكن في النهاية سيدرك المخ أن الله سبحانه وتعالى واحد وأنه يجب الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فعندما يمر الإنسان بأزمة ما فإنه يقول « يا رب » فالحل هو الطاقة الروحانية وهو الله عز وجل فأنت لا تستطيع أن تقول أنا بمفردي وإنما نحن جميعاً شيء واحد..
وهنا أحب أن أذكر قصة الرجل الذي كان يرعى الغنم فمر عليه سائح فسال السائح الراعي: كم من المسافة يستطيع الغنم أن يمشيها كل يوم؟. فرد عليه الراعي قائلاً : هذا يتوقف على نوع الغنم أتقصد الغنم الأبيض أم الغنم الأسود؟ فقال السائح: أخبرني عن الأسود، قال الراعي: يمشي ميلاً كل يوم، فقال السائح: فماذا عن الغنم الأبيض؟ قال الراعي: بالنسبة للأبيض يمشي ميلاً كل يوم..
فأراد السائح أن يتعرف أكثر فسأل الراعي: وما كمية الطعام الذي يأكله الغنم يومياً ؟ قال الراعي: هذا يتوقف على نوع الغنم هل هو الأبيض أم الأسود؟ قال السائح: الأسود، قال الراعي: يأكل كيلو من الحبوب يومياً، فقال السائح: فما حال الأبيض بالنسبة لكمية الطعام؟ قال الراعي: بالنسبة للأبيض فإنه يأكل كيلو من الحبوب يومياً.. فسأل السائح عن كمية الماء الذي يستطيع الغنم أن يشربها يومياً، فرد الراعي: هذا يتوقف على نوع الغنم أهو الأبيض أم الأسود؟ قال السائح: الأسود، قال الراعي: يشرب جالون ماء يومياً، قال السائح: فما حال الغنم الأبيض بالنسبة لكمية الماء؟ قال الراعي: بالنسبة للأبيض يشرب جالون ماء يومياً. فاستغرب السائح، وقال للرجل: أنا كلما سألتك سؤالاً تقول لي هل هذا السؤال يخص الغنم الأبيض أم الأسود ثم تعطيني نفس الإجابة في النهاية هل لك أن تفسر لي هذا الأمر؟
قال الراعي: ألا تعلم أن الغنم الأسود ملك لي، فقال السائح: وماذا عن الغنم الأبيض؟ قال الراعي: بالنسبة للأبيض فهو ملك لي.. إذن كلنا في هذه الدنيا الشخص نفسه والخالق واحد. فلولا الطاقة الفكرية لما كان للمخ أي معنى، ولولا وجود المخ ما كان هناك إدراك.. وإذا انعدم الإدراك بالنسبة للإنسان فلا فارق بينه حينها وبين الحيوان، ولولا الحركة لما كان هناك فارق بينه وبين الجماد.
4-  الطاقة العاطفية :
الطاقة العاطفية هي العاطفة والحب والإحساس بالحب وبأنك محبوب، وهي من أهم احتياجات الإنسان بعد البقاء فلا نجد حيواناً يقول لأنثاه أنا أحبك وإنما الأمر مختلف تماماً بين الإنسان والحيوان في هذا الأمر.
لا شك أن حياة الإنسان لا تستقيم ولا يكون لها معنى بدون الحب، فبالحب خلق الله تعالى الخلق، وبالحب أمرهم سبحانه بعبادته، وبالحب سيكافئ المولى تبارك وتعالى عباده الصالحين.
إن الحب يصنع المعجزات وعلى الإنسان أولاً أن يحب لله وهذا سيتبعه حب للنفس، وعلى الإنسان أن يشعر أنه معجزة أبدعها الله عز وجل، فلقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن تقويم، يقول الله تعالى:  « ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ». وكي نصل لمرحلة الحب المتكامل يجب أولاً أن نصل إلى التسامح المتكامل، ومنه إلى الحب وبعد ذلك سنصل إلى مرحلة العطاء..
لأنك لا تستطيع أن تعطي بدون الحب، ولن تستطيع أن تحب بدون التسامح..
فالأمور الثلاثة ( التسامح – الحب – العطاء ) مرتبطة ببعضها ، فلا تستطيع أن تصل لواحدة منها دون الأخريين. وإذا كان الإنسان متسامحاً فإن تفكيره سيكون بشكل صحيح وسيكون لديه اتزان في القوة الروحانية التي سينتج عنها اتزان الذهن الذي سيعقبه اتزان الشعور والأحاسيس، وينتهي الأمر بأن يكون الجسم كله في اتزان فيحدث اتزان جسماني.
يجب على الإنسان أن يمر بمرحلة التسامح، وهي تشمل التسامح المنطقي والتسامح العاطفي..
أولاً: يجب على الإنسان أن يدرك أنه يجب أن يكون متسامحاً، فهذا الإدراك يمثل 50 ٪ من التغيـير، فالإدراك يتبعه اتخاذ القرار بالتغيـير. فإذا غضبت من شخص ما فلا تهدر طاقتك في الغضب والضيق والحزن، وإنما الأفضل أن تسامح، فأرسل لمن يضايقك باقة جميلة من الطاقة، فطاقة الإنسان لو وُصِلَتْ ببلد لأضاءته لمدة أسبوع كامل..
يجب على الإنسان أن يحب الناس بلا شروط، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش في الحياة بمفرده، فطبيعة الإنسان الداخلية هي التي تحدد علاقاته بالآخرين.. فإن كان الإنسان محباً من داخله للآخرين ساعياً إلى مد جسور التواصل بينه وبين غيره فإنه سيحب الآخرين وسيسعد بهم وسيبادلونه نفس الشعور..
إن الطاقة الحركية تحتاج إلى ما يغذيها وهذا الغذاء يتمثل في الطاقة الجسمانية التي تحتاج لفكر وهذا يتمثل في الطاقة الفكرية..
وفي النهاية يحتاج كل هذا إلى الحواس والعواطف وهذا ما مثلته الطاقة العاطفية لكن هذا لا يكفي فلا بد من وجود نوع آخر من الطاقة يعطينا الثراء وهذا ما ستمدنا به الطاقة الروحانية.
5-  الطاقة الروحانية :
الطاقات الأربع السابقة ( الحركية – الجسمانية – الفكرية – العاطفية ) هي طاقات بقاء، أما الطاقة الروحانية فهي طاقة الثراء، وبدون الطاقة الروحانية لا يوجد ثراء ومبادئ للإنسان.
وإذا نظرنا لأكبر رجال العالم نجاحاً سنجد أن سبب نجاحهم أنهم يتمتعون بالقيم العليا والأمر الثاني أنهم يتمتعون برؤية واضحة والأمر الثالث الاعتقاد الذاتي الذي يربط القيم العليا بالرؤية الواضحة.
وأجمل وأهم ما في الطاقة الروحانية هو الارتباط بالله عز وجل، فعلى الإنسان أن يكون متصلاً بالله دائماً مهما كان اسمه أوسنه أو جنسيته أو ديانته أو المكان الموجود فيه يقول الله عز وجل « فإذا عزمت فتوكل على الله » .. وتشير عزمت هنا إلى وجود العقل والتفكير واستخدام الجوارح والحواس والتفكير في الفعل ثم التخطيط والتقييم والتعديل، وهذه الأشياء كلها من الأسباب وبإلمام الأسباب سيتجه الإنسان إلى مسبب الأسباب وهو الله سبحانه وتعالى فيأتي قوله: « فتوكل على الله ». فالأسباب ليست سبب نجاح الإنسان الوحيد، وإنما السبب هو الله عز وجل، وهناك من يُفتَن بالأسباب فيهلك بها ويصاب بالاكتئاب وذلك لبعده عن مسبب الأسباب.  
الارتباط بالله سبحانه وتعالى:
إن الأساس الأول للطاقة الروحانية هو: الارتباط بالله عز وجل، ولا بد أن نعلم أن الشيطان سيحاول جاهداً أن يبعد الإنسان عن هذا الارتباط بالله، فيبدأ بمحاربة الإنسان بعدة وسائل وهي :
1-      يحاول الشيطان أن يوقع بالإنسان في المعصية: وهي الوسيلة الأولى التي يستخدمها الشيطان مع الإنسان، فإذا لم يستجب الشخص له انتقل للوسيلة الثانية.
2-      إبعاد الإنسان عن الطاعة، فإن لم ينجح في ذلك انتقل للوسيلة الثالثة.
3-      التشويش على الإنسان أثناء تأديته للطاعة عن طريق الوسوسة الشيطانية لبعض الأشخاص مثل الشخص الذي يصلي فيوسوس له الشيطان قائلاً له هل توضأت قبل الصلاة..؟ كم ركعة صليت؟..
فالشيطان يحاول أن يشوش ويربك الإنسان أثناء طاعته ليفسد عليه تلك الطاعة وليضيع عليه الثواب.
إذن يجب على الإنسان أن يتحكم جيداً في نفسه، وأن يسد على الشيطان مداخله.. وهنا ينشأ لدى هذا الشخص المتحكم ما يُعرف بالفكر الروحاني، فعندما يصلي الإنسان فهو يحمي نفسه من التفكير السلبي وأيضاً على الإنسان أن ينتبه من التفكير الإيجابي أثناء الصلاة لأن ذلك يفسد الصلاة كذلك وإنما يجب أن يعلو الإنسان بتفكيره ليصبح فكره روحانياً خالصاً لله عز وجل.
من هنا فإن أول أساسيات الارتباط بالله سبحانه وتعالى هو الإيمان التام بالله ، ومنه نصل إلى الاستسلام لله بمعنى أنه يجب على الشخص أن يستسلم لله، ومنه جاءت كلمة إسلام أي أن يسلم أمره تماماً لله عز وجل.
وسيتبع هذا الاستسلام إقبال على الطاعة التي تكون خالصة لله فينمو الإخلاص لدى هذا الشخص ، ثم الوفاء للإخلاص وفي النهاية سيكون لدى هذا الشخص رؤية واضحة يستطيع أن يصنع منها أهدافاً..
ويجب أن يكون كل هدف من هذه الأهداف يخدم الرؤية التي تخدم بدورها غاية وهي الله سبحانه وتعالى، وإن لم يكن الأمر كذلك سيكون نجاح الشخص ينتهي بمجرد تحقيق هدفه، إذن سيكون نجاحاً دنيوياً ليس له استمرار في الزمن؛ لأن الرؤية ليست مستمرة في الزمن بمعنى أنها ليس لها غاية وهي الله سبحانه وتعالى.
لذلك يجب على الإنسان أن تكون له رؤية وكذلك تكون له غاية مقسمة إلى غرض وقوة وهدف ، فتصبح تلك القوة الروحانية فكر روحاني وتصبح حركات هذا الشخص حركات روحانية فتكون طريقته في تناول الطعام وفي مشيه روحانية حتى يصبح الشخص شخصاً ربانياً.
وإذا أصبح الشخص روحانياً يصبح بشرياً لأننا في الأصل روحانيون لنا طابع بشري، لذا يجب أن تكون رسالة الإنسان رسالة بشرية وهي التحسن نحو الأفضل ، وهنا يأتي دور التنمية البشرية التي هي بمثابة حياة كاملة تدفع الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة أو عاملاً  أو مديراً أو أباً أو أمّاً  أيـَّـاً كان هذا الإنسان عليه أن يحسِّن من نفسه ليتقدم نحو الأمام.
إذن كل تلك الطاقات مرتبطة ببعضها أولاً الإيمان ثم الاستسلام المؤدي للطاعة ثم الإخلاص فتظهر الرؤية ومنها إلى التوكل على الله سبحانه وتعالى والمتوكل على الله دائماً متفائل « تفاءلوا بالخير تجدوه » وتفاءلوا أمر مباشر مستمر في الزمن وتفاءلوا هي الوسيلة ، والنتيجة ستكون وجود الخير وهو من نفس نوع التفاؤل.
وهنا يظهر قانون توارد الخواطر وقانون الانجذاب وقانون العودة وهو أن ما تقذفه يعود إليك من نفس النوع. فإذا وصل الإنسان لمرحلة الارتباط الشديد بالله فسيكون هذا الشخص حريصاً على ألا يغضب الله وسيكون تفكيره قبل عمل أي شيء تفكيراً روحانياً لأن هذا الشخص لديه اليقين أنه تارك هذه الدنيا في يوم ما لذا فعليه أن يكون مستعداً في كل لحظة من حياته أن تكون تلك هي اللحظة الأخيرة.. فمن منا مستعد الآن؟ هل أنت جاهز؟ أم أن الدنيا جذبتك للبقاء فبعدت عن غايتك من الحياة؟.
إن الشيطان يحاول أن يخيف الإنسان من البقاء وقلة المال في المستقبل فما يكون من الإنسان الذي يستجيب له إلا أنه يحرص على جمع المال حتى لو بطرق غير شرعية فتظهر الجرائم، وكل هذا لأن هذا الإنسان أراد البقاء ولم يدرك أن البقاء الحقيقي في الارتباط بالله سبحانه وتعالى الذي يتمثل في الطاقة الروحانية.

كيفية إنشاء موقع والربح من الانترنت Headline Animator