إن الطاقات الخمس لابد أن تسير في طريق واحد وهذه الطاقات الخمس هي ما تدفع الإنسان للطريق نحو القمة وأول الطريق للقمة يجب أن يكون في العودة إلى الجذور إلى مرحلة البراءة.
أولاً: مرحلة الجذور: وتنقسم بدورها إلى مرحلتين: البراءة – التطبع
1- مرحلة البراءة:
لقد خلق الله الإنسان في ظلمات ثلاث هي ظلمة الرحم ثم ظلمة المشيمة ثم ظلمة البطن، ثم يولد الطفل فيخرج من الظلمات إلى النور..
ولكن رغم خروج الإنسان للنور إلا أنه وصل لظلمات الجهل.. وهذا ما ذكره الله تعالى في سورة الحديد. قال تعالى: « هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم » ، إذن الإنسان في مرحلة البراءة ليس لديه أي فكرة عن أي شيء لذا يجب أن ننظر في جذور تلك المرحلة وسنلاحظ أن الأب والأم يحاولان أن يعلمان صغيرهما النطق بكلمة ماما أو بابا فقط لكي يقولا أن أول كلمة نطقت هي ماما أو بابا ليس إلا فيستجيب الطفل لهما ويبدأ بمرحلة الإدراك.. وفيها يدرك الطفل أباه وأمه، وتبدأ لديه مرحلة ظلمات الإدراك وهو أن يشير هذا الطفل إلى أي سيدة ويقول ماما أو إلى رجل فيطلق عليه بابا، ثم يخرج من تلك المرحلة ليصل إلى مرحلة نور الإدراك وهذا الإدراك يعطيه معنى للأسماء ، قال تعالى: « وعلم آدم الأسماء كلها » فلولا وجود الأسماء لما كان للإدراك معنى، وهذا المعنى سيكون بدوره لغة أياً كانت هذه اللغة فهي ستحتوي على قيمة مبنية على اعتقاد بداخله مبدأ يتضمن وجهة نظر تجاه الأشياء وهذا هو ما يعرف بالمفهوم الذاتي.
وهنا يبدأ الطفل بفهم الكلمات مثل قول أحد له: « أنت ولد مؤدب .. أنت طفل سيئ » فهو يفهم معناها.. إذن أصبح إدراكه له معنى.
2- مرحلة التطبع:
تتكون في مرحلة الجذور في أو سبع سنوات من حياة الطفل تتكون لديه 90 ٪ من قيمه و 95 ٪ من قيمه العاطفية فيستطيع الطفل أن يفهم معنى الحب والحنان ويعلم جيداً من يحبه ومن يبادله هذا الحب، فهو تعلم في هذه المرحلة معنى العاطفة وهذه الفترة من مرحلة الجذور تسمى « سن التمثيل » حيث يقلد الأطفال أمهاتهم وآباءهم في كل شيء.. في طريقة كلامهم وفي نبرة صوتهم وفي تعبيرات وجههم وفي طريقة تنفسهم وفي كل شيء حتى في المعنى الذي يفهمونه منهم.
في مرحلة البراءة تكون قد تكونت الجذور التي بها القيم والاعتقادات والمبادئ، ولكن الطفل في هذه المرحلة ليست لديه القدرة على تقييم الأمور فهو لا يعلم ما يناسبه ولا يستطيع أن يتخذ قراراً في أمر ما لذا فإنه يلجأ إلى التطبع والتقليد فتظهر مرحلة التطبع.
ثانياً: مرحلة الوجود: فيها يحاول الطفل أن يثبت وجوده ويحدد طريقة كلامه، ففي مرحلة الجذور هناك من يتحكم في الطفل وهذا بالتالي سيكون مستمداً من مرحلة الجذور فهو يثبت وجوده بجذوره فإذا كان الطفل ممن تخاف عليه أمه بشكل غير طبيعي ولا تُحَمِّل ابنها أي مسؤولية فسينشأ هذا الطفل منتمياً فقط لأمه فإذا بعد هذا الطفل عن أمه ستجده يبكي فهو لا يستطيع أن يفارق أمه ولا يستطيع أن يتعامل مع العالم الخارجي فهو يتعامل مع أمه فقط وهذا خطأ في التربية والصحيح أن يتعود الطفل على التعامل مع العالم الخارجي.
أما الطفل الذي يخرج إلى العالم الخارجي ليثبت وجوده فهو يثبت هذا الوجود بالمعلومات والبرمجة السابقة له وبمعنى الإدراك واللغة التي تعلمها بالإضافة إلى القيم والاعتقادات والمبادئ التي لديه، لكن هذا الطفل يتصور أن العالم الخارجي مثله تماماً فهو لا يعلم أنه ربما يصطدم بإدراك شخص آخر وإنما هو يعتقد أن إدراكه هو الإدراك الوحيد الصحيح فيبدأ بالمشاجرات في المدرسة مع غيره من التلاميذ وهذا كله لأنه لم يتعلم أن يتقبل وجهة نظر الآخر فهو في هذه المرحلة مرحلة الوجود يدافع عن رأيه، فهو يريد أن يتحكم في الناس.
ثالثاً: مرحلة الكبرياء: وفيها تتولد الذات فنجد الشخص يقول أنا رجل .. أنا ناجح.. أنا والدي كذا.. أنا.. فيهتم باسم العائلة والتفاخر بين الناس بنفسه وبملابسه وبأي شيء يخصه فيحاول أن يلفت النظر لساعته مثلاً أو حزامه..
وفي هذه المرحلة يهتم الإنسان بشكله وذلك للتقبل الاجتماعي فقط فتجد الفتاة تأكل ثم تضع إصبعها في فمها لتخرج ما أكلت حتى تحافظ على قوامها لتكون كالفنانة الفلانية. وفي هذه المرحلة تتولد الـ « أنا » فيقول أنا أفضل .. أنا أحسن .. أنا أجمل.. أنا.. وعندما تقوى الأنا تتكون الذات السفلى التي ترتبط بالمادة. وهناك أربعة أشياء أساسية ترتبط بالإنسان هي : المكان والزمان والطاقة والمادة.
فالمادة مرتبطة بالعالم المادي، فالشخص يريد أن يرضي العالم الخارجي عن طريق التقبل الاجتماعي فيفعل كل ما يستطيع عمله ليصبح شكله اجتماعياً أفضل.
مَوْلِد الـمُنجِز:
تدريجياً يولد عند هذا الشخص ما يُعرف بالمنجِز فهو ينجز وينجز لكن في الأمور المتعلقة بالمادة فإنه يريد أن يجمع المال ويريد أن يصبح لديه رصيد كبير في البنك ويريد أن يتزوج .. أن تكون لديه شقة.. كلها إنجازات مادية ، ويجتهد في تحقيقها حتى ينجزها.. ولكن إنجاز هذا الشخص الوحيد هو عمله فإذا تحدثت معه في مجال عمله وجدته يتحدث جيداً أما إذا تكلمت معه في أي مجال آخر تجده لا يفقه شيئاً في أي شيء، فهو لا يهتم بصحته أو زوجته أو أولاده أو راحته أو أي شيء.. كل ما يهمه هو عمله وتحصيل المال، وهذا الشخص يعرف بالمنجز المادي فهو بالطبع ليس منجزاً روحانياً. أما إذا كان الإنسان متزناً في جذوره أي أنه تربى بطريقة روحانية في مرحلة الجذور فسيثبت وجوده في مرحلة الوجود بطريقة روحانية وسيولد لديه منجز روحاني.
والمنجز المادي سيصل حتماً في وقت ما إلى مرحلة التعب حيث يتعب من كل الأمور الدنيوية والمادية فتصبح كل تلك الأشياء لا تهمه فيبحث عن إنجاز من نوع آخر فيبدأ بالبحث عن السعادة فيولد لديه الباحث.
مَولِد الباحث:
الباحث يولد في أواخر المنجز، والباحث هو الذي يبحث عن الحقيقة وعن الحب فهو يبحث عن الراحة الداخلية فتجد الشخص الذي يمر بمرحلة الباحث قليل الكلام ويحب الانفراد بنفسه فهو يبحث عن الذات وعن السلام الداخلي والهدوء النفسي، فتبدأ عنده مرحلة التأمل وفيها يفكر الشخص في حاله وكيف كانت حياته ويتأمل فيجد نفسه قد جمع الكثير من المال لكنه غير سعيد فيحاول أن يساعد الآخرين ويسامحهم وينشأ لديه الإحساس بالآخرين. فيبدأ الإنسان يعيد النظر في ماضيه ويشعر بالندم لعمره الذي ضاع منه في إنجاز الأمور الدنيوية.
وهناك قصة رجل يقول عندما كنت صغيراً كنت أتمنى أن أموت في سبيل دخولي الابتدائية فدخلت الابتدائية فتمنيت أن أموت في سبيل دخولي الإعدادية فدخلتها وحصلت عليها فتمنيت أن أموت في سبيل حصولي على الثانوية، فحصلت عليها، فتمنيت أن أموت في سبيل حصولي على الكلية، فالتحقت بالكلية، فتمنيت أن أموت في سبيل أن أتزوج، فتزوجت وأنجبت الأولاد، فتمنيت أن أموت في سبيل رؤيتي لأولادي وهم يتزوجون، فزوج أبناءه، فنسمع هذا الرجل يقول لأبنائه وهو على فراش الموت بعد أن تجاوز الستين عاماً: « لقد نسيت أن أعيش في سعادة فكنت أموت في كل لحظة في حياتي ».
فتجد الإنسان يريد أن ينجز فيجري هنا وهناك ويتعب نفسه ولا يفكر إلا في العمل وفي الديون التي عليه وكيف سيسددها، ومن هنا يبدأ باستمرار في التفكير بأنه يريد أكثر وأكثر فيصل إلى عدم الرضا. وعندما يلوم الإنسان ذاته فإنه ينتقل إلى العاطفة فيبدأ يشعر بالسلام الداخلي فيبحث عن الناس ويسأل عنهم فهو يريد أن ُيحِبْ ويُحَبْ ، وهنا يأتي الجزاء من جنس العمل فإذا كان هذا الشخص قد ربَّى أبناءه على الرجوع إليه وعوَّدهم منذ الصغر على حب الجلوس معه سيكونون كذلك عندما يكبرون، أما إذا كان هذا شخصاً لا يجالس أبناءه وإنما يساعدهم على البعد عنه فيكونون جميعاً في البيت ولكن كل شخص يعيش في غرفته وحيداً.. فهو دائماً مشغول بعمله ولا يعطي لأبنائه الوقت الذي يحتاجون فيه إليه.. فسيكبر هؤلاء الأبناء وهم لا يريدون الالتفاف حول والديهم لذا سيكون الحصاد من نفس ما زرع بل وأكبر.. فعندما نضع في الأرض بذرة مانجو فهي بذرة واحدة لكنها ستثمر عن شجرة ممتلئة بالمانجو لكن في النهاية الحصاد سيكون من نفس نوع البذرة التي زرعت في البداية فإذا لم تحضن أبناءك وهم أطفال فلن تأخذه منهم وأنت في كبرك.
فإذا وصل الإنسان للباحث فهو يبحث عن الحب وعن الراحة ويبحث عن الحقيقة التي ستؤدي إلى الله سبحانه وتعالى وستصل إلى العاطفة التي تمد الإنسان بالتعبير عن العناية الإلهية، فتجد الشخص الذي وصل لتلك المرحلة يتكلم أكثر عن الله فيصبح شخصاً محباً لله فتنشأ الطاقة الروحانية ويزيد ارتباطه بالله وتصبح سعادة هذا الشخص الحقيقية في العطاء وليس الأخذ فالعطاء فيه استقبال من الله عز وجل ، فهذا الشخص أدرك أنه عندما يعطي فهو آخذ من الله مقابل هذا العطاء فهو بمثابة قناة وصل يأخذ من الله ويعطي غيره فهو يعلم أنه لو أمسك على غيره لما أعطاه الله فكلما أعطى أكثر كلما استقبل أكثر فيصل لقانون العطاء..
فهذا الشخص يعطي ولا ينتظر أن يأخذ من أحد، فهو يعطي فقط لوجه الله وهذا العطاء يمنح صاحبه السعادة. أذكر أنني خسرت كل مالي يوماً ولم يكن معي إلا 1000 دولار فذهبت إلى مسجد لأصلي.. وبعد الصلاة قال إمام المسجد إن المسجد يحتاج إلى 1000 دولار لعمل إذاعة فيه فأعطيته كل ما كان في جيـبي وخرجت قائلاً لنفسي: فوضت أمري إليك يا رب، ثم عدت إلى منزلي فتلقيت اتصالاً من رجل يطلب مني العمل معه ويسألني كم تريد كراتب شهري؟ فضربت الرقم الذي أنفقته في 10 أي عشرة آلاف دولار شهرياً، فوافق الرجل، وكتب معي عقداً لمدة ثلاث سنوات.
قميص السعادة:
أذكر قصة ملك كان يعيش في تعاسة شديدة فعلم أن هناك رجلاً يعيش فوق الجبل لديه قميص إذا ارتداه أصبح سعيداً لأن من ارتدى ملابس السعيد سعد.. فذهب الملك للرجل وطلب منه قميصه في مقابل أي شيء يطلبه الرجل فنظر الرجل إليه بهدوء ثم أعطاه قميصه وقال له: أنا لا أريد شيئاً منك فقط خذ ما أردت، فاستغرب الملك وأخذ القميص.. وبعد أسبوع ازداد الملك تعاسة وازداد الرجل سعادة فذهب الملك للرجل وقال له: لقد أخذت منك قميص السعادة إلا أنني ما زلت تعيساً وأنت مازلت سعيداً، فما السبب؟
قال له الرجل: لقد جئت إليّ بالفكرة الخطأ فأنا لم أكن سعيداً بقميصي وإنما أنا سعيد لأنني أرضى بحالي وأنت جئت لتأخذ لكن السعادة في العطاء وليست في الأخذ، فأنت أخذت فتعست وأنا أعطيت فسعدت. وهناك بعض الأشخاص الذين يحملون الكثير والكثير من الضيق لغيرهم وذلك بسبب خلاف نشأ بينهم، فيبدأ الإنسان بالتفكير السلبي تجاه من يضايقه وهذا خطأ والصحيح أن يتمنى له الخير، فالأسهل والأفضل أن يسامح وسيعطيه الله- سبحانه وتعالى – الثواب..
فنحن ليس لدينا الوقت في هذه الدنيا للحزن والضيق والغضب من شخص معين أو موقف محدد.. واعلم أنها حياة واحدة ليس لها (بروفة) وإنما هي حياة حقيقية ليس لها إعادة ، فإذا ما انتهت لم تعد، فيجب أن تستخدم كل لحظة في حياتك وكأنها آخر لحظة من حياتك، فأنت لن تخرج أبداً من هذه الحياة وأنت حي.
واعلم أن من لا يَغفِر لا يُغفَر له، وفي المسيحية: « إن لم تسامح لن تقبل صلاتك ». وللمتنبي شعر رائع في التسامح وهو:
إن أنت لم تغفر للمسكين إذا عدم ولا الفقير إذ يشكو لك العدم
فكيف ترجـو من الرحمن رحمـته إنمـا يرحـم الرحمن من رحم
ويقول الرسول الكريم: « اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لأخراك كأنك تموت غداً ».. وهذا الحديث فيه فلسفة عميقة استغرقت مني سنوات عدة وأنا أبحث فيها « اعمل لدنياك » بمعنى الاتصال، « واعمل لأخراك » بمعنى الانفصال .. فكيف يحدث الانفصال والاتصال في نفس الوقت؟
وهنا أذكر قصة سيدة كانت تريد ممارسة الرياضة في إحدى صالات الرياضة لكنها كانت تضعف أمام قطعة من الحلويات فكانت تنسى الرياضة وتذهب لتأكل البسبوسة وغيرها من الحلويات فسألتني: ماذا تفعل؟ فقلت لها: سبحي الله.. قولي سبحان الله.. سبحان الله وفعلاً لما سبّحت تركها الشيطان تمارس الرياضة حتى تتوقف عن التسبيح.
وبعد الذكر سيحب الإنسان الله أكثر قال الله تعالى: « واسجد واقترب ». وهنا سيصبح هذا الشخص يتحدث مع الله ويتحدث عن الله وهنا يكون الإنسان قد وصل إلى الطريق للقمة وهو الوصول لله سبحانه وتعالى. نحن نقول في صلاتنا « اهدنا الصراط المستقيم » فالصراط المستقيم فسره بعض العلماء على أنه هو الطريق إلى الجنة لكنني أرى أن الصراط المستقيم هو الطريق المؤدي إلى الله ، والله هو المؤدي إلى الجنة ، فلا يستطيع أحد أن يذهب للجنة بمفرده بل يجب أن يصل من خلال الله.
كلمة أخيرة:
على الإنسان أن يأخذ من الآخرة ليجعل الدنيا ثرية بهذا الثراء الروحاني، وعليه أن يأخذ من الدنيا ليـبني آخرته وهذا هو البقاء الروحاني وهذه هي فلسفة الحياة الفلسفة الدينية أو الفلسفة الروحانية.
وبعد مرحلة الارتباط بالله يجب أن يواظب الإنسان على ذكر الله باستمرار وعليه أيضاً أن يكون لديه عرفان فيحمد الله كثيراً ويشكره على كل ما أعطاه الله له من نعم.
أولاً: مرحلة الجذور: وتنقسم بدورها إلى مرحلتين: البراءة – التطبع
1- مرحلة البراءة:
لقد خلق الله الإنسان في ظلمات ثلاث هي ظلمة الرحم ثم ظلمة المشيمة ثم ظلمة البطن، ثم يولد الطفل فيخرج من الظلمات إلى النور..
ولكن رغم خروج الإنسان للنور إلا أنه وصل لظلمات الجهل.. وهذا ما ذكره الله تعالى في سورة الحديد. قال تعالى: « هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم » ، إذن الإنسان في مرحلة البراءة ليس لديه أي فكرة عن أي شيء لذا يجب أن ننظر في جذور تلك المرحلة وسنلاحظ أن الأب والأم يحاولان أن يعلمان صغيرهما النطق بكلمة ماما أو بابا فقط لكي يقولا أن أول كلمة نطقت هي ماما أو بابا ليس إلا فيستجيب الطفل لهما ويبدأ بمرحلة الإدراك.. وفيها يدرك الطفل أباه وأمه، وتبدأ لديه مرحلة ظلمات الإدراك وهو أن يشير هذا الطفل إلى أي سيدة ويقول ماما أو إلى رجل فيطلق عليه بابا، ثم يخرج من تلك المرحلة ليصل إلى مرحلة نور الإدراك وهذا الإدراك يعطيه معنى للأسماء ، قال تعالى: « وعلم آدم الأسماء كلها » فلولا وجود الأسماء لما كان للإدراك معنى، وهذا المعنى سيكون بدوره لغة أياً كانت هذه اللغة فهي ستحتوي على قيمة مبنية على اعتقاد بداخله مبدأ يتضمن وجهة نظر تجاه الأشياء وهذا هو ما يعرف بالمفهوم الذاتي.
وهنا يبدأ الطفل بفهم الكلمات مثل قول أحد له: « أنت ولد مؤدب .. أنت طفل سيئ » فهو يفهم معناها.. إذن أصبح إدراكه له معنى.
2- مرحلة التطبع:
تتكون في مرحلة الجذور في أو سبع سنوات من حياة الطفل تتكون لديه 90 ٪ من قيمه و 95 ٪ من قيمه العاطفية فيستطيع الطفل أن يفهم معنى الحب والحنان ويعلم جيداً من يحبه ومن يبادله هذا الحب، فهو تعلم في هذه المرحلة معنى العاطفة وهذه الفترة من مرحلة الجذور تسمى « سن التمثيل » حيث يقلد الأطفال أمهاتهم وآباءهم في كل شيء.. في طريقة كلامهم وفي نبرة صوتهم وفي تعبيرات وجههم وفي طريقة تنفسهم وفي كل شيء حتى في المعنى الذي يفهمونه منهم.
في مرحلة البراءة تكون قد تكونت الجذور التي بها القيم والاعتقادات والمبادئ، ولكن الطفل في هذه المرحلة ليست لديه القدرة على تقييم الأمور فهو لا يعلم ما يناسبه ولا يستطيع أن يتخذ قراراً في أمر ما لذا فإنه يلجأ إلى التطبع والتقليد فتظهر مرحلة التطبع.
ثانياً: مرحلة الوجود: فيها يحاول الطفل أن يثبت وجوده ويحدد طريقة كلامه، ففي مرحلة الجذور هناك من يتحكم في الطفل وهذا بالتالي سيكون مستمداً من مرحلة الجذور فهو يثبت وجوده بجذوره فإذا كان الطفل ممن تخاف عليه أمه بشكل غير طبيعي ولا تُحَمِّل ابنها أي مسؤولية فسينشأ هذا الطفل منتمياً فقط لأمه فإذا بعد هذا الطفل عن أمه ستجده يبكي فهو لا يستطيع أن يفارق أمه ولا يستطيع أن يتعامل مع العالم الخارجي فهو يتعامل مع أمه فقط وهذا خطأ في التربية والصحيح أن يتعود الطفل على التعامل مع العالم الخارجي.
أما الطفل الذي يخرج إلى العالم الخارجي ليثبت وجوده فهو يثبت هذا الوجود بالمعلومات والبرمجة السابقة له وبمعنى الإدراك واللغة التي تعلمها بالإضافة إلى القيم والاعتقادات والمبادئ التي لديه، لكن هذا الطفل يتصور أن العالم الخارجي مثله تماماً فهو لا يعلم أنه ربما يصطدم بإدراك شخص آخر وإنما هو يعتقد أن إدراكه هو الإدراك الوحيد الصحيح فيبدأ بالمشاجرات في المدرسة مع غيره من التلاميذ وهذا كله لأنه لم يتعلم أن يتقبل وجهة نظر الآخر فهو في هذه المرحلة مرحلة الوجود يدافع عن رأيه، فهو يريد أن يتحكم في الناس.
ثالثاً: مرحلة الكبرياء: وفيها تتولد الذات فنجد الشخص يقول أنا رجل .. أنا ناجح.. أنا والدي كذا.. أنا.. فيهتم باسم العائلة والتفاخر بين الناس بنفسه وبملابسه وبأي شيء يخصه فيحاول أن يلفت النظر لساعته مثلاً أو حزامه..
وفي هذه المرحلة يهتم الإنسان بشكله وذلك للتقبل الاجتماعي فقط فتجد الفتاة تأكل ثم تضع إصبعها في فمها لتخرج ما أكلت حتى تحافظ على قوامها لتكون كالفنانة الفلانية. وفي هذه المرحلة تتولد الـ « أنا » فيقول أنا أفضل .. أنا أحسن .. أنا أجمل.. أنا.. وعندما تقوى الأنا تتكون الذات السفلى التي ترتبط بالمادة. وهناك أربعة أشياء أساسية ترتبط بالإنسان هي : المكان والزمان والطاقة والمادة.
فالمادة مرتبطة بالعالم المادي، فالشخص يريد أن يرضي العالم الخارجي عن طريق التقبل الاجتماعي فيفعل كل ما يستطيع عمله ليصبح شكله اجتماعياً أفضل.
مَوْلِد الـمُنجِز:
تدريجياً يولد عند هذا الشخص ما يُعرف بالمنجِز فهو ينجز وينجز لكن في الأمور المتعلقة بالمادة فإنه يريد أن يجمع المال ويريد أن يصبح لديه رصيد كبير في البنك ويريد أن يتزوج .. أن تكون لديه شقة.. كلها إنجازات مادية ، ويجتهد في تحقيقها حتى ينجزها.. ولكن إنجاز هذا الشخص الوحيد هو عمله فإذا تحدثت معه في مجال عمله وجدته يتحدث جيداً أما إذا تكلمت معه في أي مجال آخر تجده لا يفقه شيئاً في أي شيء، فهو لا يهتم بصحته أو زوجته أو أولاده أو راحته أو أي شيء.. كل ما يهمه هو عمله وتحصيل المال، وهذا الشخص يعرف بالمنجز المادي فهو بالطبع ليس منجزاً روحانياً. أما إذا كان الإنسان متزناً في جذوره أي أنه تربى بطريقة روحانية في مرحلة الجذور فسيثبت وجوده في مرحلة الوجود بطريقة روحانية وسيولد لديه منجز روحاني.
والمنجز المادي سيصل حتماً في وقت ما إلى مرحلة التعب حيث يتعب من كل الأمور الدنيوية والمادية فتصبح كل تلك الأشياء لا تهمه فيبحث عن إنجاز من نوع آخر فيبدأ بالبحث عن السعادة فيولد لديه الباحث.
مَولِد الباحث:
الباحث يولد في أواخر المنجز، والباحث هو الذي يبحث عن الحقيقة وعن الحب فهو يبحث عن الراحة الداخلية فتجد الشخص الذي يمر بمرحلة الباحث قليل الكلام ويحب الانفراد بنفسه فهو يبحث عن الذات وعن السلام الداخلي والهدوء النفسي، فتبدأ عنده مرحلة التأمل وفيها يفكر الشخص في حاله وكيف كانت حياته ويتأمل فيجد نفسه قد جمع الكثير من المال لكنه غير سعيد فيحاول أن يساعد الآخرين ويسامحهم وينشأ لديه الإحساس بالآخرين. فيبدأ الإنسان يعيد النظر في ماضيه ويشعر بالندم لعمره الذي ضاع منه في إنجاز الأمور الدنيوية.
وهناك قصة رجل يقول عندما كنت صغيراً كنت أتمنى أن أموت في سبيل دخولي الابتدائية فدخلت الابتدائية فتمنيت أن أموت في سبيل دخولي الإعدادية فدخلتها وحصلت عليها فتمنيت أن أموت في سبيل حصولي على الثانوية، فحصلت عليها، فتمنيت أن أموت في سبيل حصولي على الكلية، فالتحقت بالكلية، فتمنيت أن أموت في سبيل أن أتزوج، فتزوجت وأنجبت الأولاد، فتمنيت أن أموت في سبيل رؤيتي لأولادي وهم يتزوجون، فزوج أبناءه، فنسمع هذا الرجل يقول لأبنائه وهو على فراش الموت بعد أن تجاوز الستين عاماً: « لقد نسيت أن أعيش في سعادة فكنت أموت في كل لحظة في حياتي ».
فتجد الإنسان يريد أن ينجز فيجري هنا وهناك ويتعب نفسه ولا يفكر إلا في العمل وفي الديون التي عليه وكيف سيسددها، ومن هنا يبدأ باستمرار في التفكير بأنه يريد أكثر وأكثر فيصل إلى عدم الرضا. وعندما يلوم الإنسان ذاته فإنه ينتقل إلى العاطفة فيبدأ يشعر بالسلام الداخلي فيبحث عن الناس ويسأل عنهم فهو يريد أن ُيحِبْ ويُحَبْ ، وهنا يأتي الجزاء من جنس العمل فإذا كان هذا الشخص قد ربَّى أبناءه على الرجوع إليه وعوَّدهم منذ الصغر على حب الجلوس معه سيكونون كذلك عندما يكبرون، أما إذا كان هذا شخصاً لا يجالس أبناءه وإنما يساعدهم على البعد عنه فيكونون جميعاً في البيت ولكن كل شخص يعيش في غرفته وحيداً.. فهو دائماً مشغول بعمله ولا يعطي لأبنائه الوقت الذي يحتاجون فيه إليه.. فسيكبر هؤلاء الأبناء وهم لا يريدون الالتفاف حول والديهم لذا سيكون الحصاد من نفس ما زرع بل وأكبر.. فعندما نضع في الأرض بذرة مانجو فهي بذرة واحدة لكنها ستثمر عن شجرة ممتلئة بالمانجو لكن في النهاية الحصاد سيكون من نفس نوع البذرة التي زرعت في البداية فإذا لم تحضن أبناءك وهم أطفال فلن تأخذه منهم وأنت في كبرك.
فإذا وصل الإنسان للباحث فهو يبحث عن الحب وعن الراحة ويبحث عن الحقيقة التي ستؤدي إلى الله سبحانه وتعالى وستصل إلى العاطفة التي تمد الإنسان بالتعبير عن العناية الإلهية، فتجد الشخص الذي وصل لتلك المرحلة يتكلم أكثر عن الله فيصبح شخصاً محباً لله فتنشأ الطاقة الروحانية ويزيد ارتباطه بالله وتصبح سعادة هذا الشخص الحقيقية في العطاء وليس الأخذ فالعطاء فيه استقبال من الله عز وجل ، فهذا الشخص أدرك أنه عندما يعطي فهو آخذ من الله مقابل هذا العطاء فهو بمثابة قناة وصل يأخذ من الله ويعطي غيره فهو يعلم أنه لو أمسك على غيره لما أعطاه الله فكلما أعطى أكثر كلما استقبل أكثر فيصل لقانون العطاء..
فهذا الشخص يعطي ولا ينتظر أن يأخذ من أحد، فهو يعطي فقط لوجه الله وهذا العطاء يمنح صاحبه السعادة. أذكر أنني خسرت كل مالي يوماً ولم يكن معي إلا 1000 دولار فذهبت إلى مسجد لأصلي.. وبعد الصلاة قال إمام المسجد إن المسجد يحتاج إلى 1000 دولار لعمل إذاعة فيه فأعطيته كل ما كان في جيـبي وخرجت قائلاً لنفسي: فوضت أمري إليك يا رب، ثم عدت إلى منزلي فتلقيت اتصالاً من رجل يطلب مني العمل معه ويسألني كم تريد كراتب شهري؟ فضربت الرقم الذي أنفقته في 10 أي عشرة آلاف دولار شهرياً، فوافق الرجل، وكتب معي عقداً لمدة ثلاث سنوات.
قميص السعادة:
أذكر قصة ملك كان يعيش في تعاسة شديدة فعلم أن هناك رجلاً يعيش فوق الجبل لديه قميص إذا ارتداه أصبح سعيداً لأن من ارتدى ملابس السعيد سعد.. فذهب الملك للرجل وطلب منه قميصه في مقابل أي شيء يطلبه الرجل فنظر الرجل إليه بهدوء ثم أعطاه قميصه وقال له: أنا لا أريد شيئاً منك فقط خذ ما أردت، فاستغرب الملك وأخذ القميص.. وبعد أسبوع ازداد الملك تعاسة وازداد الرجل سعادة فذهب الملك للرجل وقال له: لقد أخذت منك قميص السعادة إلا أنني ما زلت تعيساً وأنت مازلت سعيداً، فما السبب؟
قال له الرجل: لقد جئت إليّ بالفكرة الخطأ فأنا لم أكن سعيداً بقميصي وإنما أنا سعيد لأنني أرضى بحالي وأنت جئت لتأخذ لكن السعادة في العطاء وليست في الأخذ، فأنت أخذت فتعست وأنا أعطيت فسعدت. وهناك بعض الأشخاص الذين يحملون الكثير والكثير من الضيق لغيرهم وذلك بسبب خلاف نشأ بينهم، فيبدأ الإنسان بالتفكير السلبي تجاه من يضايقه وهذا خطأ والصحيح أن يتمنى له الخير، فالأسهل والأفضل أن يسامح وسيعطيه الله- سبحانه وتعالى – الثواب..
فنحن ليس لدينا الوقت في هذه الدنيا للحزن والضيق والغضب من شخص معين أو موقف محدد.. واعلم أنها حياة واحدة ليس لها (بروفة) وإنما هي حياة حقيقية ليس لها إعادة ، فإذا ما انتهت لم تعد، فيجب أن تستخدم كل لحظة في حياتك وكأنها آخر لحظة من حياتك، فأنت لن تخرج أبداً من هذه الحياة وأنت حي.
واعلم أن من لا يَغفِر لا يُغفَر له، وفي المسيحية: « إن لم تسامح لن تقبل صلاتك ». وللمتنبي شعر رائع في التسامح وهو:
إن أنت لم تغفر للمسكين إذا عدم ولا الفقير إذ يشكو لك العدم
فكيف ترجـو من الرحمن رحمـته إنمـا يرحـم الرحمن من رحم
ويقول الرسول الكريم: « اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لأخراك كأنك تموت غداً ».. وهذا الحديث فيه فلسفة عميقة استغرقت مني سنوات عدة وأنا أبحث فيها « اعمل لدنياك » بمعنى الاتصال، « واعمل لأخراك » بمعنى الانفصال .. فكيف يحدث الانفصال والاتصال في نفس الوقت؟
وهنا أذكر قصة سيدة كانت تريد ممارسة الرياضة في إحدى صالات الرياضة لكنها كانت تضعف أمام قطعة من الحلويات فكانت تنسى الرياضة وتذهب لتأكل البسبوسة وغيرها من الحلويات فسألتني: ماذا تفعل؟ فقلت لها: سبحي الله.. قولي سبحان الله.. سبحان الله وفعلاً لما سبّحت تركها الشيطان تمارس الرياضة حتى تتوقف عن التسبيح.
وبعد الذكر سيحب الإنسان الله أكثر قال الله تعالى: « واسجد واقترب ». وهنا سيصبح هذا الشخص يتحدث مع الله ويتحدث عن الله وهنا يكون الإنسان قد وصل إلى الطريق للقمة وهو الوصول لله سبحانه وتعالى. نحن نقول في صلاتنا « اهدنا الصراط المستقيم » فالصراط المستقيم فسره بعض العلماء على أنه هو الطريق إلى الجنة لكنني أرى أن الصراط المستقيم هو الطريق المؤدي إلى الله ، والله هو المؤدي إلى الجنة ، فلا يستطيع أحد أن يذهب للجنة بمفرده بل يجب أن يصل من خلال الله.
كلمة أخيرة:
على الإنسان أن يأخذ من الآخرة ليجعل الدنيا ثرية بهذا الثراء الروحاني، وعليه أن يأخذ من الدنيا ليـبني آخرته وهذا هو البقاء الروحاني وهذه هي فلسفة الحياة الفلسفة الدينية أو الفلسفة الروحانية.
وبعد مرحلة الارتباط بالله يجب أن يواظب الإنسان على ذكر الله باستمرار وعليه أيضاً أن يكون لديه عرفان فيحمد الله كثيراً ويشكره على كل ما أعطاه الله له من نعم.